قسم التوجيه والإرشاد الأسري

قائمة الأقسام
  • خُذوا بالأسباب
  • الكاتب:شيماء الحسيني
  • تاريخ الإضافة:05/03/2020
  • المشاهدات:660
  • تم الاضافة بواسطة:abosoor

خُذوا بالأسباب

يتعجّب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بشدّة في خطبته التي تسلسلها في كتاب نهج البلاغة 87، فيقول: 

(..فَيَا عَجَباً وَمَا لِيَ لَا أَعْجَبُ مِنْ خطأ هَذِهِ الْفِرَقِ عَلَى اخْتِلَافِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا لَا يَقْتَصُّونَ أَثَرَ نَبِيٍّ وَلَا يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ وَلَا يَعِفُّونَ عَنْ عَيْبٍ يَعْمَلُونَ فِي الشُّبُهَاتِ وَيَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا وَالْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا مَفْزَعُهُمْ فِي الْمُعْضِلَاتِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَتَعْوِيلُهُمْ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى آرَائِهِمْ كَأَنَّ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرًى ثِقَاتٍ وَأَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ..)

ويُستفاد من كلامه عليه السلام أنّ الله يُسيّر الكون بسنّتين، الأولى: أنّه تعالى لا ينتقم من الجبارين في أيّ زمان ومكان، حتى يغدق عليهم بعطائه، ويمنّ عليهم بسعة حالهم، وتعاقب النعم هذا استدراجاً لهم.

والثانية: أنّه جلّ في علاه لا يفتح على أمّة من الأمم بفتحٍ أو كشف غمّةٍ إلاّ بعد أن يمحّصها بالابتلاءات والشدائد، التي فيها عبر ودروس لمن يتدبّر من عباده من ذوي العقول والألباب.

ففي زوال النعم وتكاثر المحن على الإنسان تمحيص لأيمانه، إذ أنّ المحن تكشف أصحاب البصائر، فإذا لم يكن العبد ممّن يستخدم نِعَمَ السمع والبصر والعقل فإنّه يكون كالبهائم، بل أضلّ منها.

إذ قال الله تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) الفرقان /الآية 44، وهذا ما يستدعي التعجب من أناس لم يحكّموا عقولهم، ولم يستجيبوا لحجج لله، بل مضَوا على نهج التسويف والمماطلة، تاركين قصص الأنبياء ونصائح الأوصياء وراء ظهورهم، متّخذين أنفسهم وآراءهم قدوة لهم.

وتجد أنّ المعروف عندهم ما أحبّوا وما راق لهم، والباطل عندهم ما كرهوا وما نفرت عنه قلوبهم، وتراهم يعوّلون في دفع المصائب وفي إتمام أمورهم على قدراتهم الماديّة، مبتعدين عن الله تعالى، وفي وصفهم يقول الباري عزّ وجلّ: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا) الأعراف/ الآية 179

وفي أيامنا هذه ما لا يخفى على أحد من تزايد المحن، وكثرة الفتن، فمِن تشتّت الآراء الى كثرة الأعداء، وقلّة العدد، ثم نزول الابتلاءات والأمراض، فهل من متدبّر في كلام مولى الموحدين؟! والذي فيه بشارة لنا، أولاً: بأنّ الجبارين والطغاة منكسرون لا محالة، بعد أن أمهلهم الله (تعاظمت قدرته) بحسن الحال.

وثانياً: إرشاد ونصح لنا، بأنّ الخلاص لا يكون إلاّ بعد أن نعقل ونسمع ونبصر، ولا نكون كالأنعام، لأنّ الله تعالى أغدق علينا بحججه ودلائله لنبصر طريق الهداية، وأحد هذه الحجج هو كلام المعصوم عليه السلام، فلنتدبّر هذه الكلمات، ولنكن على ثقة بأنّها لنا خير معين يرتوي منه العطشى، في كل زمان ومكان، ولنصغي الى كلمات علمائنا الذين هم الحجّة علينا في غيبة المعصوم، وبالخصوص مراجعنا الأفذاذ الذين نصحونا بأنّ الخلاص من البلاء لا يكون إلاّ بالأخذ بالأسباب العلميّة والعمليّة، دون إغفال اللجوء الى الله سبحانه، والعودة إليه، والإيمان بأنّه تعالى بيده كشف ما بنا من ضرّ، فهو أرحم الراحمين.

مع الانتباه دائماً الى عدم الانجرار وراء الأهواء المضلّلة، والخرافات التي تزيد من شدّة الامتحان، وتُنزل غضب رب العالمين.

                                                                                      

 

شيماء الحسيني

مركز الإرشاد الأسري في النجف الأشرف

 

التالي السابق