- لوحة زاهية من تاريخنا العبق
- الكاتب:عبدالرحمن اللامي
- تاريخ الإضافة:24/02/2020
- المشاهدات:646
- تم الاضافة بواسطة:abosor
لوحة زاهية من تاريخنا العبق
يرسم لنا التاريخ لوحة من أروع اللوحات، لا من حيث جمال ألوانها وإنما بما رُصّعت بأجمل المجوهرات التي أحاطت بدرّتها الثمينة، تلكم هي لوحة خروج الحوراء النقيّة زينب بنت عليّ بن أبي طالب (عليهم السّلام) لزيارة قبر جدّها الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
إذ يسير أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليهم السّلام) أمامها ليلاً، ومن خلفها أخوها العبّاس (عليه السّلام) وقد اكتَنَفها أخَواها الحسنان (عليهما السّلام) عن اليمين والشمال، كي لا تَلمحَ عينُ ناظرٍ لها شخصاً ولا خيالاً، حتّى إذا اقتربوا من القبر المطهّر أسرعَ أميرُ المؤمنين (عليه السّلام) فأخمَد نورَ المصابيح زيادةً في رعاية الستر والحجاب لكريمته الكريمة عقيلة بني هاشم وفخرهم المصون.[1]
ومن هذه اللوحة الكريمة أراد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليهم السّلام) والحسنان (عليهما السّلام) أن يبيّنوا لنا أموراً كثيرة، هي من صميم الدين الحنيف وشرع الله المنيف، والتي من أهمّها بيان المقام السامي للحوراء زينب (عليها السّلام) بين الأئمّة المعصومين الأطهار (عليهم السّلام)، وعلوّ مكانتها إذ يحفّ بها سادة المسلمين وكبراء بني هاشم في مثل هذا الموكب البهيّ، لأنّ هذه المرأة الجليلة تنتظرها مواقف فظيعة وصور فجيعة، فهي ستلاقي من قومها أشدّ الرزايا وأفدح البلايا، سترى منهم كلّ أنواع الإرهاب والخوف والضرب والإهانة والسبي وهتك الحرمة..
وتُبيّن لنا هذه اللوحة المباركة رِفعةَ المرأة في الإسلام، وعِظَمَ شأنها، ومدى احترام وتقدير قادة المسلمين لها، في مجتمعٍ كان بالأمس القريب يَئِدُها ويُحْرِمُها من الحياة بأبشع الصور، ولا تعدو عنده أكثر من سلعة يبيعها ويشتريها، ويهينها ويعدمها من الإنسانيّة، ويحرمها من الميراث.
وفي نفس الوقت تُظهر لنا هذه اللوحة الفريدة أيضاً أهميّة الاحتشام والستر المفروضيْن على المرأة المسلمة، فهي لا تخرج من دارها كيفما تشاء وفي أيّ وقت تريد، وإذا خرجت فهي تخرج باحتشام، وفي كامل حجابها الذي يستر جميع بدنها باستثناء الوجه والكفّين، وأن يكون حجابها واسعاً فضفاضاً لا يكشف عن معالم جسمها، وأن لا يكون الحجاب زينة وذا ألوان صارخة.
وممّا تُنبئنا به هذه اللوحة الشريفة استحباب زيارة أضرحة أنبيائنا وأئمّتنا وقادتنا، لما لهم في أعناقنا من عهدٍ غليظ، وزيارة قبور ذوينا وقُرُباتِنا كما فعلت السيدة الطاهرة زينب الكبرى (عليها السّلام)، فإنّها تذهب الى قبر جدّها لتجدّد العهد به، ولتشتكي من عنده الى الله تكالب الزمان على القيم السامية التي جاء بها جدّها الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وانقلاب المنافقين على رسالته السمحاء.
وحريٌّ بنا أن نقف طويلاً أمام هذه المرأة الشريفة لنستذكر مواقفها الجليلة، ومرافقتها لأخيها الإمام الحسين (عليه السّلام) من المدينة المنوّرة الى كربلاء المقدّسة، والدور البطوليّ الذي جسّدته (عليها السّلام) بعد واقعة الطفّ الأليمة، وما لاقته من مِحَنٍ وإحَنٍ في مسيرها الى الكوفة ثمّ الى الشام لتلتقي بطواغيت دهرها أمثال (يزيد) و(ابن مرجانة)، كلّ ذلك جرى ورأس أخيها الإمام الحسين (عليه السّلام) على رمحٍ طويل بأيدي أرذل الخلق وأخسّهم، وهي ترمقه كلّ حين ودموع عينيها سافحة على خدّيها.
هذه هي زينب (عليها السّلام) لم تهِن ولم تداهن ولم تخضع ولم تخنع لعتاة زمانها، حتى في يوم ولادتها بكى جدّها الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليها بكاءً مرّاً لِما ستُلاقيه من المصائب، فحينما أُخبر الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بولادتها، أتى منزل ابنته فاطمة (عليها السّلام)، وقال:
– يا بنيّة إيتيني ببنتك المولودة. فلما أحضرتها أخذها النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وضمّها إلى صدره الشريف، ووضع خدّه على خدّها فبكى بكاءً شديداً عالياً، وسالت دموعه على خدّيه. فقالت فاطمة (عليها السّلام):
– مِمَّ بكاؤك، لا أبكى الله عينك يا أبتاه؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
– يا بنتاه يا فاطمة، إنّ هذه البنت ستُبلى ببلايا وتَرِدُ عليها مصائب شتّى، ورزايا أدهى، يا بضعتي وقرّة عيني، إنّ مَن بكى عليها، وعلى مصائبها يكون ثوابه كثواب مَن بكى على أخويها.[2]
[1] زينب الكبرى للقزويني: 18
[2] ناسخ التواريخ ، المجلد الخاص بحياة السيدة زينب