قسم التوجيه والإرشاد الأسري

قائمة الأقسام
  • المعاني النفسية لشهر رمضان.
  • الكاتب:الاستاذ الدكتور حيدر كريم سكر
  • تاريخ الإضافة:19/03/2025
  • المشاهدات:32
  • تم الاضافة بواسطة:Maitham.Ninawa

المعاني النفسية لشهر رمضان.

 

ونحن في شهر رمضان المبارك يتحم علينا أن نمعن النظر فيه، وأن نتفهمه فهما جيدا، لقد كثر الحديث حول فوائد شهر رمضان، الطبية منها والخلفية، ولم تستطع النظريات الحديثة إلا أن تنحني إجلالا للمغزى الطبي العميق الذي يتضمنه الصوم، ولأثره الفعال على صحة الإنسان وعلى المعدة، وهي بيت الداء كما يقولون. ولم يكن المعنى الأخلاقي أقل شأنا من المعنى الطبي، يكفي ما في الصيام من مشاركة حقيقة لألم الفقير، وللمحرمان الذي يصيب الضعفاء الذين لا يجدون لقمة العيش، كل هذه المعاني طرفها الكتاب قديما وحديثا، وأسهب في التأليف فيها كثير من العلماء والباحثين والاجتماعين، مبرزين صورة الشريعة الإسلامية بما فصلته من أحكام وأسرار وفضائل لهذا الشهر الكريم، إلا أنه على الرغم من أهمية تحرير القول في القضايا العامة للصيام، فإن الاسترادة في ذلك تتم على حساب المساحات التي يجب أن تتدخ فيها الكتابات، لتغطية النواحي النفسية للصيام، والمعاني النفسية لشهر رمضان، والتربية النفسية التي تتحقق بفضل الصوم وإعداد النفس، وتهيئتها لتقوى الله، وتربية الإدارة على ترك الشهوات ليقوى صاحبها على ترك المضار. ولو أن الباحثين زادوا من تكثيف دراساتهم للصوم من مضمونه النفسي، وحللوا عناصره تحليلا نفسيا، مثلما فعلوا في الجوانب الفقهية، ووجها جديدا، يتبدى لشهر رمضان المبارك.
إذا حل شهر رمضان، فإن الحق تبارك وتعالى يفسح الفرصة أمام الإنسان ليلجم شهوات نفسه الجامحة، ويفطم دوافعها الأولية المهمة،قوة الشهوة بشقيها: شهوة الطعام، وشهوة الجنس، وثمرة ذلك لجى الصائم الخانع لله، سكينة تنزل عليه وحلاوة يجدها في قلبه.


الصوم محك للإرادة النفسية:
لا يكفي أن المؤمن بالصيام يكتفي بمجرد الإيمان والاعتقاد بل لابد من الصوم والانقطاع عن ملذات الجسد، انقطاعا حقيقيا، وأن الصوم ليس إلا عاملا أو حافزا على إثارة الطاقات النفسية الأخرى.
أن الصوم لا يكون صوما حقيقيا حتى يكون صاحبه معتقدا مومنا، شاعرا بالمعنى المقصود والفائدة المرجوة، وإن الحسنات تضاف إلى فعل الصائم كلما كان صومه حافزا على الخير والإحسان، والعطف على الضعفاء والفقراء.
فالصوم شرارة أو دفعة لتحريك الإنسان، وتنبيه التي خلقت من أجلها. وكلما زادت قدرته على ضبط انفعالاته ونزواته وشهواته، وهو أمر لا يوهب لغير الصائمين ممن آثمر لصيام ثمرته الطيبة في نفوسهم.
والبعد النفسي للإرادة في الصوم يتمثل في أن الصائم المسلم عندما يمتنع عن تناول طعامه وشرابه أو مباشرة زوجته، أمتثا للأمر الالاهي، مع توفر هذه الحاجات بين يديه وداخل بيته الذي هو ملكه الخاص، إن تعوده على هذا المتناع يقوي في إرادة التحكم في رغباته، كما هو متاح له. فعندما تقوى هذه الإرادة يصبح من السهل أن تطبيق على ماهو محرم عليه.


أن المسلم يتعود من خلال الصوم أن يمتنع عن الحلال حتى لا تطمع نفسه في الحرام، وبهذا المستوى يجعل الصوم من المسلم إنسانا يرتفع عن سائر يرتفع عن سائر الحيوانات التي لا تستطيع أن تمسك نفسها عما ترغب فيه، أو تحتاج إليه، فالمحك للإرادة النفسية في الصوم هو أنه يطلعنا على ما أصاب الشخصية من ثلوم، ويجعلنا نلمس نقط الضعف فيها. فكأن الصوم جرس الإنذار لإصلاح ما أصاب الإنسان، فإذا كان ذا إرادة قوية وتغلب الجوع والعطش، ومغريات الجنس والنزعات الشريرة، فكأنه اجتاز امتحانا صعبا، وصعد إلى مصاف الكبار من الناس وإن ضعف وهان، فشهر رمضان فرصة لعادة التثقيف وإصلاح ما فات، ثم الاستعداد إلى حياة جديدة فاضلة، لأن الرجل العظيم لا يكتفي بالتغلب على سواه من الاعداء فقط. ولكن يجب أن يتغلب على نفسه أولا، وأن يسيطر على الميول التي قد تدفعه إلى الهلاك. وبذلك يصبح أكثر استعدادا لمقابلة البيئة الفاسدة وإصلاحها والتأثير فيها.


والرجل الناضج وجدنيا، القوي الإرادة، قادر على التغلب على كل الشهوات، أما الرجل الذي لا يستطيع الإفلات من ذلك، ضعيف يحتاج إلى الصوم كثيرا وطويلا. وتلك حقيقية علمية يعرفها رجال التربية وعلم النفس، حتى وجدنا الباحث الألماني الأشهر «جيهاروت» يضع كتابا في تقوية الإرادة. فيتخذ من الصوم أساسا لهذه التقوية. ففي تجربة الصوم تقوية لإرادة الإنسان الخيرة، فتصبح هي المحركة والموجهة والمهيمنة.


ومعرف انه متى قويت الإرادة في جانب الامتناع عن الامتناع عن الشهوات ومتطلبات الغريزة، فإنها تقوى تلقائيا في سائر أوجه حياة الإنسان، فالإرادة هي بحق مفتاح التشغيل لكل الوظائف النفسية الأخرى. والارادة القوية هي التي توظف كل الوظائف النفسية لخدمة صاحبها، وهي التي تحميه من كل ما يعترض سبل حياته من مشاكسات ومضايقات.

 

 


السابق