- دور الآباء والأمّهات في تزويج الأبناء
- الكاتب:سناء الربيعي
- تاريخ الإضافة:12/03/2020
- المشاهدات:1341
- تم الاضافة بواسطة:abo sor
دور الآباء والأمّهات في تزويج الأبناء
من رحمة الله (تبارك وتعالى) على خلقه أن جعل الرباط الوثيق بين الذكر والأنثى قائماً بالتراضي وبالمودّة والرحمة، والألفة والمحبّة، إذ قال في كتابه الكريم: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)» سورة الروم، ولكنّ ما يحصل في مجتمعاتنا من تدخّل الأهل وبالذات الآباء والأمهات في اختيار الزوج نيابة عن أولادهم ـ ذكوراً وإناثاً ـ أو فرض حالة معيّنة عليهم، أو استخدام الضغوط على الأولاد للرضوخ والاستسلام لقولهما، ويمنعان الأولاد من إعلان رأيهم وقد يتذرعان بوجوب طاعة الوالدين أو غير ذلك.
وقد أظهرت دراسة عربية أن نسبةَ تدخّل الأهل في قرار زواج الأبناء كانت بنسبة 37.5٪ من أصل العيّنة البالغة (3500) أسرة، وهي نسبة خطيرة تكشف عن التقهقر الاجتماعي والتخلّف الثقافي الذي نعيشه، بيد أنّ الأمر منوط بالشخص نفسه، بل هو من خصوصيات الفرد ذكراً كان أو أنثى، فليس للأم ولا للأب إجبار ابنه أو ابنته على من لا يريدانه، وهو فعل محرّم شرعاً وممقوت عرفاً ومذموم عقلاً، ونحن في هذا التحقيق سنختار شرائح متعدّدة من الناس لتبيّن رأيها في هذا الموضوع.
وكان لنا هذا اللقاء مع السيد ضرغام (طالب في جامعة أهل البيت/غير متزوج) وقد أفادنا قائلاً:
إنّ دور الوالدين في زواج أولادهم ينحصر في النصيحة والتوجيه، لا أن يجبروا أولادهم على زواج من لا يرتضونه، لأنّ الزواج شراكة بين طرفين ليس أحدهما الوالد أو الوالدة، شراكة مبنيّة على المودة والرحمة.
وأضاف السيد ضرغام: وإذا كان هناك مفسدة في هذا الزواج، أو عدم كفاءة في ناحية ما، أو قصور في تديّن أحدهما، فللوالدين حقّ الاعتراض وعلى الأبناء السمع والطاعة.
ويستفاد السيد أبو عمّار (موظف/متزوّج وله أربعة أبناء وحفيدان) من قول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) "إذا جاءكم مَن ترضوْن خلقَهُ ودينَهُ فزوّجوه، وإلاّ تَفْعَلُوُه تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَاد كَبير" فيقول:
إنّ الخلُق والدين أهمّ ما يميّز الزوج أو الخاطب المرضيّ لدى الناس كما حدّد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذلك في قوله المشهور "إذا جاءكم مَن ترضوْن خلقَهُ ودينَهُ فزوّجوه..."، وهاتان الصفتان من المقومات الرئيسة للشخصية المسلمة.
ثمّ أردف السيد أبو عمّار وأقول للأبناء: لا تَختاروا بالقلب فقط؛ فالزواجُ عمرٌ طويلٌ لن يتحمَّل غيرُكم تبعاته، التي ربما تُدخلكم في دوَّامة من المشاكل لا تَنتهي من الندم والحزن، واجعَلوا للعقل دورًا أكبر في اختياراتكم لشَريك العمر.
وتقول السيدة أم مروة (موظفة متقاعدة/متزوجة ولها ثلاثة أولاد):
إن الدافع الرئيسي لتدخل الآباء في زواج أولادهم هي لنصحهم لأنهم تنقصهم الخبرة في هذا الأمر، ولأنّ اختيارهم ينحصر في المشاعر والشكل، ولا يفكرون بمَن ستكون بعد الزواج بأشهر أمّاً أو أباً لأبنائهم، فالتدخل يكون بدافع الحبّ والحرص على مستقبلهم، ولأنهم الأمانة التي كلفنا الله بها (تبارك وتعالى) بحفظها وصونها وإيصالها الى برّ الأمان.
واستدركت السيدة أم مروة وهي تتحسّر: أخاف على ابنتي من الزواج لشيء واحد، أخشى أن يكون حظُّها مثل حظِّي؛ لأني لم أستمع لنُصح والديّ عندما تقدّم لي والدُها منذ ربع قرن، وتحمّلت من أجْلها، فقد كان عصبيّا جدًّا، ومتسلطا، ولا يسمح لي بأيّ حوار، ولا أريد لابنتي زوجا مثله! لذا أنصحها كثيرا بألاّ تنساق وراء عواطفها، وتترك العقل عند اختيارها زوج المستقبل، كي لا تندم، ووقتها ستكابر كي تُثبِتَ أنّ اختيارها كان صائبا، ولن تُخبر أحدا بسوءِ اختيارها مثلما فعلتُ أنا مع أهلي، وتحمّلت تَبِعات اختياري.
أما السيد أحمد محمد علي (خرّيج إدارة واقتصاد/متزوّج حديثاً) فإنّه متحمّس جداً الى أهمية تدخل الوالدين في أمر الزواج، فيقول:
لا ينكر أحدٌ مكانة الوالدين في نفوس أبنائهما، وعظيم بذلهم وشديد تفانيهم من أجل كلّ ما يسعدنا ويرتقي بنا الى المستقبل الزاهر، وفي كثير من الأحيان يتكفّل الوالدان أعباء تزويجنا، وتحمّل نفقات ذلك خصوصاً في هذه الأيام التي صار الزواج يحتاج الى الكثير من الأموال، فهل يُعقل للابن إزاء هذا الواقع أن يجافي والديه ولا يعير لرأيهما أيّ اعتبار؟! ويقابلهم بنُكران الجميل؟!
وأكّد السيد أحمد قائلاً: ولقد كان لأمّي الدور الرئيس في اختيار زوجتي، وأنا الآن في أتمّ السعادة مع أمي وزوجتي. ثمّ يزيد السيد أحمد بقوله: وأنا أعتبر قولهما فوق قولي ورأي، فقد تربّيت على أخذ رأيهم في كلّ كبيرة وصغيرة؛ لحكمتهما وخبرتهما ورأيهما الصائب. وألفت السيد أحمد الى أنّ والديه عادة ما يستمعان لرأيه ثم يناقشوه سويّة ثم الخروج برأي صائب.
وحينما ذهبنا بأسئلتنا إلى المختصّ بالشؤون التربوية الأستاذ والمربّي الفاضل السيد عبد علي الياسري أجابنا بما يلي:
نحن مجتمع متحفّظ تضبطنا قيود وتنظمنا أعراف، مضافاً الى أننا شعبٌ متديّن نتّخذ من القرآن دستوراً نسيّر به أغلب قضايا حياتنا اليومية، وقد قرن الله (تبارك وتعالى) طاعته بالإحسان الى الوالدين في أكثر من مورد كقوله: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)» سورة الإسراء، ومن هنا كانت للوالدين هذه المكانة العالية والوجاهة السامية.
وللوالدين على أولادهم حقّ الطاعة، وهما الأولياء والأوصياء على أولادهما، لأنهما السبب في وجودهم وهما المسئولان على تنشئتهم وإعدادهم لما ينتظرهم في مستقبلهم، وما يتخلّل ذلك من الإنفاق عليهم ورعايتهم وتقديم النصح والمشورة إليهم، وسدّ كلّ ما يحتاجون إليه.
ودور الوالدين في تزويج أولادهما يتمثل في تقديم النصح والتوجيه والإرشاد، وليس لهما الحقّ أن يجبرا أولادهما ـ ذكوراً وإناثاً ـ على زواج من لا يرتضونه، إلا أن يختار الأولاد لأنفسهم اختياراً فاسداً فيتدخلان ويضغطان عليهم بما لديهما من حقّ الأبوّة، وليس لهما حقّ المنع أبداً، وقد يسئ الوالدان استخدام هذه الولاية، فيجرّدان أولادهما من حق الاختيار، وأكثر من ذلك يجوران ويتعسّفان بمصائر أولادهما، كرفض الزواج من خارج العائلة، أو حجز الفتاة لقريب لها منذ الصغر، أو منعها من الزواج لكي تقوم برعاية أخواتها الصغار، أو غير ذلك من هذه الأمور التي تترتّب عليها الأمراض النفسية والمفاسد الاجتماعية، والتي هي من الأسباب الرئيسة في تأخّر مجتمعاتنا العربية.
وكان من الضروري لنا أن نرى رأي الشرع الحنيف في هذا الأمر الخطير، لذا ذهبنا بأسئلتنا الى الشيخ عبد الكريم العطواني (من وكلاء ومعتمدي آية الله العظمى السيد السيستاني) وسألناه: هل يحق للآباء التدخّل في زواج أبنائهم بالرفض؟ وهل يجب على الأبناء الاستماع لرأي الآباء وإتباعه؟ وكان جوابه:
لا يجب الاستئذان من الوالدين في أمر الزواج، ولكن إذا منعاه من الزواج ولم يكن واجباً عليه كما لو كان يقع في الحرام بدونه وكان منعهما من جهة الشفقة عليه لا من جهة الاستبداد في الرأي ونحو ذلك، كما لو منعاه من الزواج بفتاة خاصة لبعض الملابسات التي يخافان بسببها على ولدهما، ففي مثل هذه الحالة لا يجوز له الزواج الموجب لإيذائهما، ومع ذلك فلو تزوج كان زواجه صحيحاً، وأما إذا منعاه لأسباب تافهة وعقائد غير صحيحة، أو لاستبدادهما بالأمر ونحو ذلك، فلا تجب إطاعتهما، وكذلك لا تجب الإطاعة إذا كانت المخالفة غير موجبة لإيذائهما.