- ومضة قرآنية ١٠ - البناء على الرمل
- الكاتب:طاهرة الموسوي
- تاريخ الإضافة:03/06/2023
- المشاهدات:1042
- تم الاضافة بواسطة:Maitham.Ninawa
ومضة قرآنية ١٠ - البناء على الرمل
يحكى أنه كان هناك مجموعة من الفتية المؤمنين يعيشون في ظلِّ حياةٍ مترفةٍ بالزِّينة وأنواع النِّعم، وقيل كانوا من الوزراء وأصحاب المناصب الكبيرة داخل حكومة ظالمة، وبيئةٍ فاسدة، وزمان شاعت فيه عبادة الأصنام والكفر، إلا أنَّ هؤلاء الأبطال انسلخوا من كلِّ ذلك لأجل حفظ عقيدتهم وللصِّراع ضدَّ طاغوت زمانهم، وأخذوا قراراً يحتاج إلى المزيد من الشهامة والهمّة والروح والإيمان العالي.
﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ﴾(الكهف) كلمة ذات مفهوم واسع، تذكرنا بنمط الحياة الابتدائية للإنسان، حيث ينعدم فيه الضوء، ولياليه مظلمة وباردة، لكن خطوط الرحمة الإلهية متجلية على جدران هذا الغار، إذ طلبوا من الله أن يهديهم سبيل الرشاد, فأنامهم الله عدداً من السنين إجابةً لدُعائهم, وكان نومهم أشبه بالموت، ويقظتهم أشبه بالبعث، لذا فإنَّ القرآن يقول: ﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ... ﴾, لكنهم بعد يقظتهم كانوا يشعرون بالجوع الشديد، لذا فأول اقتراح لهم هو إرسال واحد منهم مع نقود ومسكوكات فضية لشراء الغذاء: ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ...﴾.
ما يثير الدهشة والسؤال هو أنه مع حاجتهم الشديدة إلى الطعام، إلاَّ أنّهم قالوا للشخص الذي كلَّفوه بشراء الطعام: لا تشترِ الطعام مِن أيّ كان، وإنما انظر أيُهم أزكى وأطهر طعامًا فأتنا منهُ، وقيل كان مَقْصُودهمْ الطعام الطَّيِّب الْحلال، إذ أنّهم كانوا يعلمون أنَّ في تلك المدينة لحم الميتة (أي غير المذبوح على الطريقة الشرعية) وأنَّ البعض يتكسَّب بالحرام، لذلك أوصوا صاحبهم بضرورة أن يتجنب مثل هؤلاء الأشخاص عندما يحاول شراءِ الطعام، فالمؤمنون لا يأكلون أي طعام ولا يهمهم نوعه ومقداره بل المهم عندهم كون الطعام طاهراً وحلالاً.
ولا شك في أن للطعام والشراب آثاراً صحية وجسمية وروحية ونفسية ومعنوية كثيرة غير قابلة للإنكار سواءً علمنا بها أم لم نعلم، فقد روي عن المصطفى محمد صلى الله عليه وآلة: (العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل).
فالذي يأكل طعاماً طيباً ونظيفاً وطاهراً وحلالاً ليس كمن يأكل الطعام الخبيث والنجس والحرام قطعاً، ذلك لأن الطعام والشراب المكتسب حراماً، أو المحرم في الشريعة الإسلامية أكله أو شربه يشكّل مانعاً مهماً ومباشراً لاستجابة الدعاء مهما ألحّ الإنسان في دعائه وتضرّع إلى ربه، فقد رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله أَنَّهُ قَالَ: (أَطِبْ كَسْبَكَ تُسْتَجَبْ دَعْوَتُكَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَرْفَعُ اللُّقْمَةَ إِلَى فِيهِ حَرَاماً فَمَا تُسْتَجَابُ لَهُ دَعْوَةٌ أَرْبَعِينَ يَوْماً(، وورد: (لا يقبل الله صلاة امرئ وفي جوفه حرام حتى يتوب).
بل قد تتعدى هذه الآثار وتنتقل إلى الأهل والولد، فقد رُوِيَ عن الإمام الصادق عليه السلام أنهُ قَالَ: (كَسْبُ الْحَرَامِ يَبِينُ فِي الذُّرِّيَّةِ).