عندما أصابت الأرض نوبة من العنف والاضطهاد والحرمان والجوع لم يكن بوسع أحد النجاة منها..
وبين هذه الظروف القاسية كانت فصول قصة الحاج (ناصر حسين) ذي (63) عاماً من بغداد، وقد بانت على ملامحه مرارة العيش وعلائم الشيخوخة التي أفقدته الكثير من القوة والعطاء، وهو يقدّم الخدمة لزائري الإمام الحسين (عليه السلام) الكرام.
فقد اعتاد الحاج (ناصر) في صباحات هذه الأيام التي تسبق زيارة الأربعين أن يستيقظ مبكّراً ليتوجّه الى موكبه الذي يقدّم فيه الخبز الحار، فيقوم بالتحضيرات اليومية بشكل فردي دون أي تعب.
وعند الاقتراب منه وسؤالنا له: هل يُتعبك العمل في الموكب؟ ونحن نراك وحيداً وأنت تقدّم الخدمة للزائرين.. فقال على الفور: "لعلّ لنا عذر عند الإمام الحسين"
وحين سألناه ماذا يعني بعبارته: "لعلّ لنا عذر عند الإمام الحسين" راح يسرد لنا قصته مسترسلاً: قبل 26 عاماً من الآن، وفي زمن طَغَت عليه الدكتاتوريات الحاكمة، عشنا أيام الضنك والحرمان، ورأينا رجالاً مكافحين، قد برّوا بأرضهم وضحّوا بأرواحهم من أجل ترابها، ولم يتخلّوا أبداً عن نصرة المنهج الحسينيّ.
ومن هؤلاء الأبطال كان بعض أصدقائي الذين ذهبوا سيراً الى كربلاء المقدسة، رغم الظروف القاسية المتمثلة بالمنع والقمع والتنكيل بمَن يُظهر الشعائر الحسينيّة، ذهبوا سيراً الى كربلاء المقدّسة ولم يبالوا بالموت كونه في طريق الحسين، وهم قبل ذهابهم الى كربلاء جاءوا إليّ ليصطحبوني معهم في رحلتهم هذه، ولكنّي كنتُ أعيش ظروفاً عائليّة صعبة فاعتذرتُ لهم عن المشاركة، وبعد مرور يومين سمعت خبر إلقاء القبض عليهم، ومن ثمّ إعدامهم في وقت لاحق.
تنّهد الحاج (ناصر) وتحسّر طويلاً وأردف قائلاً: عندما سمعتُ خبر إعدامهم حزنتُ كثيراً! وكم تمنّيت أنّي لو استشهدتُ معهم على طريق الحسين عليه السلام، فهنيئاً لهم الشهادة.
وعندما جاءت فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرتها مرجعتينا الرشيدة فرحت كثيراً لعلي استشهدُ ملبياً النداء، فذهبتُ الى معسكرات التدريب وفوجئت هناك بعدم القبول لكبر سنّي..
وأنا اليوم أخدم زوّار الحسين (عليه السّلام) بكلّ ما أعطاني الله من القوة والصبر والثبات، لعلّي أحظى بالقبول لدى سيدي ومولاي الإمام الحسين (عليه السلام).
المصوّر: علي النجــــــــــار
المراسل: غســــــان العكابي
المحرّر: عبدالرحمن اللامي